قصة يعرفها القاصي والداني في وادي سلكون في كارليفورنيا في أمريكا, وكبار مسؤولي معظم الشركات المندرجة في قائمة (Fortune 500) , وهي قائمة تضم كبريات الشركات العالمية, قصة بدأت تطفوا على السطح على أعقاب تحرير الإقتصاد الهندي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي, وإن كانت تعود جذورها إلى أبعد من ذلك, وتفرض الآن بقوة على وسائل الإعلام الغربية, حيث لا تكاد تخلو صفحات جريدة أو مجلة في تلك الدول تتحدث بإعجاب عن هذا الصعود المذهل في غضون بضع سنوات, وبحذر شديد نظرا لتبعاتها على مستقبل أعمال البحث والتطوير و أعمال ذات الياقات البيضاء, وعلى مستقبل الإقتصاد العالمي ككل, والتي تشار إليها أحيانا بلفظ “Bangalored” , وهذه القصة العظيمة هي قصة نجاح الهند في حقل التكنولوجيا والمعلومات, إلى جانب قصتها الناجحة في مجال التكنولوجيا الفضائية, قصة منحتها وسام “القوة العظمى في تكنولوجيا والمعلومات” Information Technology Super Power وبكل جدارة , وتشكل الواجهة المعاصرة لإقتصاد الهند المتنامي و أحد الأعمدة الأساسية لتجارتها الخارجية
كيف بدأت القصة:

ولا يقتصر نجاح الهنود في إسهاماتهم في مجال التكنولوجيا والمعلومات خارج البلاد فحسب, ولكن تعدى ذلك إلى وطنهم الأم, إذ تعتبر الهند ثاني أكبر مصدر للبرمجيات بعد الولايات المتحدة الأمريكية في العالم وتتم فيها تطوير حوالي 40% من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية, كما تنظر إليها كالمورد الرئيسي (World’s Power House) للمبرمجين والمهندسين الذين تعج بهم كبريات الشركات العاملة في وادي سليكون الأمريكي حيث يقدر عددهم هنالك أكثر من ثلاث مائة ألف مهندس ومبرمج يمتلكون 750 شركة عاملة في وادي سيلكون و تشكل نسبتهم ما يقارب من 40% من مجموع مهندسي ومبرمجي الكمبيوتر هنالك ومن أشهرهم فينود دام الذي يعود إليه الفضل في إختراع معالج Pentium والمعروف بأب بنتيوم Father of Pentium و سبير باتيا Sabeer Bhatia الذي اخترع أول خدمة بريد إلكتروني في العالم – “هوت ميل” ثم باعها لشركة ميكروسوفت سنة 1998 و فينود كوسلا Vinod Khosla أحد مؤسسي شركة Sun Microsystems صن للأنظمة وغيرهم.
والهند اليوم موطن أصلي لعدد من كبار اللاعبين في مجال التكنولوجيا العالية مثل شركة ” تي – سي – إس” TCS , و”إنفوسيس” Infosys و “وبرو” Wipro و”آي – فلكس” I-Flex وغيرها. كما توجد على أراضيها بعض أهم مراكز البحث و التطوير في العالم خارج الولايات المتحدة مثل مدينة “بنغلور” و مدينة “حيدر آباد”. ومن الأسماء المشهورة في قصة نجاح الهند في مجال التكنولوجيا, “Simputer” , واحدة من أولى محاولات تطوير لحواسيب رخيصة الثمن, و”Flexcube“ , أشهر الحلول المصرفية في العالم تنتجها شركة آي – فلكس, وبرامج Tally الذي يستخدم في مجال المحاسبة دون الحاجة إلى كتابة أوامر و Param Super Computer أحد أشهر الحواسيب الكبيرة وغيرها…
التحليق في سماء التكنولوجيا
وحتى عهد قريب كان ينظر للهند كمركز “sweatshops” في مجال التكنولوجيا والمعلومات, حيث كانت الفكرة السائدة لدى بعض الشركات التكنولوجيا الغربية وحتى لدى بعض المثقفين الغربيين الذين زرعوا رؤوسهم في الرمال, أن معظم الشركات التكنولوجيا الهندية لا تقوم إلا بأعمال روتينية بسيطة لا تحتاج معها إلى إبداع كبير ولا تتنافس مع الشركات الغربية في استقطاع القطع الكبيرة من كعكات التكنولوجيا العالية سوى مجالات مثل كتابة البرمجيات ” “Programming و إستقبال مكالمات الزبائن الأجنبيين والرد عليهم وهو ما يعرف ب ” Call Center Jobs” أو القيام بتدقيق الحسابات لصالح الشركات الأجنبية أو ما يعرف بأعمال المكاتب الخلفية “Back Office Jobs”, و إدخال بيانات الزبائن أي “Data Entry Jobs”. غير أن هذا العهد قد ولي مع اعتراف الشركات العالمية بقدرة الشركات الهندية على الإبداع والإبتكار في شتى ميادين التكنولوجيا Cutting Edge Technology. فبعد أن أدركت كثير من الشركات الأجنبية أهمية الهند ليس كمصدر لأيدي عاملة ماهرة و رخيصة فحسب, بل كمركز لإجراء عمليات البحث والتطوير, و لا سيما مع حصول كثير من الشركات التكنولوجيا المعلومات الهندية معايير الجودة العالمية التي لم تحرزها الشركات التكنولوجيا الأمريكية نفسها, وبدأت تسحب البساط من تحت أقدام الكبار بفوزها مناقصات تقدر بملايين الدولارات, لتقديم حلول برمجية متكاملة للشركات العملاقة, بدأت الشركات الأجنبية تتسابق فيما بينهما لفتح مراكز البحث والتطوير لها في الهند سواء عن طريق مراكزها الخاصة أو عن طريق التعاقد مع الشركات المحلية و أصبحت تشارك ملكيتها الفكرية (IP) مع نظيراتها الهندية, وكان الهدف الرئيسي وراء هذه الخطوة الإستراتيجية مواجهة المنافسة العالمية عن طريق تفرغ المقرات الرئيسية لهذه الشركات في الدول الغربية في التركيز على بناء علاماتها التجارية والتسويق لها حول العالم, ويعرف هذا التوجه الجديد بتطوير المنتجات في الخارج “Offshore Product Development” . وتقدر منظمة NASSCOM وهي منظمة تضم شركات التكنولوجيا الهندية, أن تبلغ عوائد هذا القطاع وحده ما بين 8 و 11 بليون دولار بحلول عام 2008. وليس أدل على نجاح الشركات الهندية في هذا القطاع الحيوي مساهمة شركة إنفوسيس في تطوير المكونات الداخلية لطائرات إيرباص A380, أكبرطائرات الركات في العالم (المصدر: http://www.infosys.com/media/press_releases/airbus_a380.asp )و مساهمة ثلاث من الشركات الهندية الأخرى في تطوير الرقائق الإلكترونية الخاصة بطائرات بوينغ المنافسة الرئيسية لشركة إيرباص (المصدر: http://in.rediff.com/money/2006/feb/15bspec.htm )
تقدر قيمة صادرات الهند من قطاع التكنولوجيا والمعلومات حاليا ما يقارب من 26 مليار دولار حسب آخر الإحصاءات ووظف حوالي مليون و 45 ألف شخص حتى شهر مارس / آذارمن العام الماضي , وينمو هذا القطاع بمعدل30 – 40% سنويا. ومن المتوقع أن يتجاوز قيمة صادرات الهند من التكنولوجيا والمعلومات حاجز 60 مليار دولار بحلول عام 2010 و أن تسهم بنسبة 7% من ناتج القومي الإجمالي للبلد فضلا عن خلق حوالي 8,8 مليون وظيفة جديدة حسب دراسات أجرتها منظمة NASSCOM بالتعاون مع شركة McKinsey للإستشارات. وتوظف ثلاثة من أكبر شركات التكنولوجيا المعلومات الهندية أكثر من 60 ألف شخص لكل واحدة منها على حدة في الوقت الحالي. وقد أدرجت أربعة من الشركات التكنولوجيا الهندية في أسواق المال الأمريكية, وهي إنفوسيس, وبرو, ساتيام, باتني للأنظمة الحاسوبية. وخلال العام الماضي أعلنت كل من شركة ميكروسوفت Microsoft و إنتل Intel و إي إم دي AMD و سيسكو سيستمس Cisco Systems عن إستثمارات ضخمة في الهند في مجال البحث والتطوير حيث أعلنت شركة ميكروسوفت عن نيتها لإستثمار 1,7 مليار دولار و إنتل عن إستثمار يزيد على مليار دولار و سيسكو سيستمس عن إستثمار قدره 1,1مليار دولار. أما شركة إي إم دي فقد أعلنت عن إستثمار يزيد عن 3 مليارات دولارات بالتعاون مع هيئة شكلتها مجموعة من المغتربين الهنود لإنشاء مصنع للرقائق الإلكترونية. ومن جانب آخر, واصلت الشركات الهندية فوزها بعقود ضخمة لتقديم حلول و خدمات تكنولجيا للشركات الأجنبية في العام الماضي أيضا, فعلى سبيل المثال فقد فازت شركة تي سي إس TCS بعقد تتجاوز 1,73 مليار دولار بالتعاون مع شركة فوجيتسو Fujitsu لتوفير البينة التحتية التكنولوجية لإدارة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا, كما فازت تي سي إس بمفردها بعقد تقدر قيمته 847 مليون دولار من إحدى شركات التأمين في بريطانيا أيضا, إلى جانب عقد تتجاوز قيمتها 500 مليون دولار فازت بها ثلاث شركات هندية من بنك ABN Amro الهولندية।
شركة IBM تعلن عن إستثمار ستة مليارات دولار في الهند خلال ثلاث سنوات قادمة (19 يونيو / حزيران 2006 – رويترز)
بنغلور / سان فرانسيسكو6 يونيو / حزيران 2006: أعلنت شركة IBM وهي أكبر شركة تقدم خدمات الحاسب الآلي في العالم يوم الثلاثاء عن خطتها لإستثمار نحو 6 مليار دولارات في الهند خلال ثلاث سنوات مقبلة مما يؤكد الأهمية المتنامية للهند كمركز للمعرفة و إسناد الوظائف في مجال التكنولوجيا والمعلومات. وقالت شركة IBM أنها تعتزم توسيع أعمالها في مجال الخدمات والبرمجيات وهاردويرات (أجزاء الصلبة) في الهند حيث تعد أكبر شركة متعددة للجنسيات تعمل في البلاد وتوظف 43,000 عامل في 14 مدينة هندية، بعد أن كان عددهم 4900 في عام 2002، ويعتبر عدد الذين تستخدمهم شركة IBM الأكبر خارج الولايات المتحدة . وقال مدير ورئيس تنفيذي لشركة IBM صامويل بالميسانو في إجتماع ضم أكثر من 10000 موظف في مدينة بنغلور، مركر التكنولوجيا والمعلومات في الهند ” إن الهند وغيرها من الإقتصادات الصاعدة جزء مهم جدا بالنسبة لنجاح شركة IBM عالميا. “
وأضاف”لا تريد IBM أن تفوت هذه الفرصة.”
وتعتبر هذه الصفقة التي تبلغ قرابة ثلاثة أضعاف إستثمارات IBM في الهند خلال السنوات الثلاثة الماضية والبالغة قيمتها ملياري دولار، أكبر إستثمار أجنبي في الهند في السنوات الأخيرة.
ويفوق هذا المبلغ ما أعلنتها ثلاث شركات أمريكية وهي شركة ميكروسوفت وإنتبل و سيسكو سيستمس في العام الماضي من إستثمارات تبلغ قيمتها الإجمالية 3,9 مليار دولار. وتعتبر شركة IBM التي تتخذ من آرمونك في نيويورك مقرا لها واحدة من عدد متزايد من الشركات المتعددة الجنسيات التي تستثمر في الهند التي شهدت نموا إقصاديا بلغ قرابة 8% في العام الماضي بفضل زيادة الطلب على عمالها التقنيين يتحدثون اللغة الإنجليزية و يتقاضون أجورا أقل مما يتقاضاها نظرائهم في الغرب.
ويتضمن المؤتمر الذي يستمر لمدة يومين في بنغلور مؤتمرا إستثماريا تنظمه الشركة لأول مرة خارج الولايات المتحدة ويحضره عديد من كبار التنفيذين وذلك حسبما قالت الشركة.
وتعتزم شركة IBM تأسيس مركز بحثي وإبداعي في مختبرها في مدينة دلهي يختص في مجال الإتصالات إلى جانب مركز يربط مستشاري شركة IBM و مطوري برامجها ومنهدسيها و باحثيها. وقد فتحت شركة IBM في مطلع السنة الحالية مركزا لها في مدينة بنغلور لمساعدة عملائها لتحسين وظائف شبكات التوزيع و مراقبة المخاطر المصرفية. هذا وقد إشترت IBM دكش وهي شركة هندية تعمل في مجال إستشارات الأعمال وتوظف نحو 20000 موظف حاليا. وعلى الرغم أن شركة IBM لا تعلن عن أرقام مبيعاتها في الهند فإن بعض التقديرات ترجح أن تبلغ إيراداتها الهندية أكثر من مليار دولار.
يذكر أن شركة DELL وهي أكبر شركة صانعة للحواسيب الشخصية في العالم قد أعلنت في شهر مارس / آذار الماضي عن نيتها لزيادة عدد موظفيها في الهند إلى 20000 موظف أي بواقع ضعف عددهم الحالي. وتعتبر شركة تاتا للخدمات الإستشارية و إنفوسيس تكنولوجيس و وبرو المحدودة من أكبر منافسي IBM في الهند. ومن المتوقع أن ينمو قطاع الخدمات البرمجيات في الهند بنسبة 25% لسنة مالية منتهية في مارس 2007 حسب ما قالت المنظمة القومية لشركات البرمجيات والخدمات الهندية في الأسبوع الماضي.
يتبع ………………..
المصادر : وكالة أنباء الشرق الأوسط
وكالة أنباء BBC